ألم مفصل الورك قد يتحول مع الوقت إلى عبء حقيقي يمنع الشخص من المشي بارتياح، أو القيام بالأنشطة البسيطة مثل لبس الحذاء، أو حتى النوم دون انزعاج. ومع تقدّم العمر أو مع وجود أمراض معينة، يبدأ الغضروف الذي يغطي المفصل في التآكل، وتصبح الحركة أكثر صعوبة وألمًا. في هذه المرحلة قد يسمع كثير من المرضى عن “استبدال مفصل الورك”، لكن الصورة تكون غير واضحة: ما الذي يحدث بالضبط؟ متى نحتاج العملية؟ وكيف تساعد في تخفيف الألم واستعادة الحركة؟ هذا ما سنناقشه في مقال اليوم.
ما هو مفصل الورك؟ ولماذا يصبح مؤلمًا؟
مفصل الورك هو المفصل الذي يصل بين عظمة الفخذ والحوض.
يتكوّن من:
- تجويف في عظم الحوض (الحُقّ)
- رأس كروية في أعلى عظمة الفخذ
- طبقة غضروف ناعمة تغطي الطرفين لتسمح بالحركة بسلاسة
- سائل زلالي داخل المفصل لتليين الحركة
- عضلات وأوتار تحيط بالمفصل وتساعد على المشي والجلوس والوقوف
عندما يكون المفصل سليمًا، يستطيع الشخص المشي والجلوس وصعود الدرج والانحناء بدون ألم تقريبًا.
مع الوقت أو مع الأمراض المختلفة، يبدأ الغضروف بالتآكل، ويصبح الاحتكاك بين العظام مؤلمًا، فتظهر:
- آلام عميقة في منطقة الورك أو الفخذ
- صعوبة في المشي لمسافة قصيرة
- ألم عند لبس الحذاء أو الجلوس على كرسي منخفض
- تيبّس في الصباح أو بعد الجلوس الطويل
هذه المرحلة تسمى عادة “خشونة مفصل الورك” أو “تآكل مفصل الورك”.
ما هي عملية استبدال مفصل الورك؟
عملية استبدال مفصل الورك هي جراحة يتم فيها إزالة الأجزاء التالفة من المفصل (الغضروف والعظم المتآكل) واستبدالها بأجزاء صناعية جديدة مصنوعة من مواد آمنة مثل المعدن، السيراميك، أو البلاستيك الطبي عالي الجودة.
الهدف الأساسي من العملية:
- إزالة مصدر الألم المزمن
- استعادة الحركة الطبيعية قدر الإمكان
- تمكين المريض من المشي والجلوس والنوم بدون معاناة مستمرة
في الاستبدال الكامل، يُستبدل:
- رأس عظمة الفخذ التالفة
- التجويف الحُقّي التالف في الحوض
- ويتم تركيب:
- قطعة معدنية أو سيراميكية داخل الحوض
- رأس صناعية جديدة متصلة بساق معدنية تُثبت داخل عظمة الفخذ
هذه الأجزاء تتحرك معًا بسلاسة لتحل محل المفصل الطبيعي الذي تلف.
متى يحتاج المريض إلى استبدال مفصل الورك؟
لا يُنصح بالجراحة من أول يوم.
عادة نلجأ لها عندما تفشل العلاجات غير الجراحية (أدوية، علاج طبيعي، حقن، تعديل نشاط) في السيطرة على الأعراض.
من العلامات الشائعة التي تدل أن وقت الجراحة قد اقترب:
- ألم شديد ومستمر لا يخفّ حتى مع الأدوية
- ألم يوقظ المريض من النوم أو يمنعه من التقلب في السرير
- صعوبة في المشي لبضع دقائق دون توقف
- صعوبة في صعود الدرج أو النزول
- تيبّس واضح عند لبس الحذاء أو الجوارب
- تأثّر واضح في جودة الحياة: المريض يتجنّب الخروج، الزيارات، أو حتى الصلاة وقوفًا بسبب الألم
- وجود تآكل شديد في مفصل الورك في الأشعة
- في بعض الحالات، تكون الحاجة للجراحة نتيجة:
- كسر شديد في عنق عظمة الفخذ، خاصة عند كبار السن
- التهابات مزمنة في المفصل أتلفت الغضروف
- أمراض مثل الروماتويد عندما تسبب تدميرًا للمفصل
أنواع عمليات استبدال مفصل الورك
تختلف أنواع العمليات باختلاف حالة المفصل، ودرجة التآكل، وعمر المريض، ومدى حاجته للحركة بعد الجراحة. الفكرة الأساسية واحدة: إزالة الجزء التالف واستبداله بآخر صناعي يعمل بسلاسة دون ألم. لكن طريقة الاستبدال ليست واحدة للجميع، ولهذا تُقسم العمليات إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
1) الاستبدال الكلي لمفصل الورك (Total Hip Replacement)
هذا هو النوع الأكثر شيوعًا، ويُجرى عندما يكون التلف كبيرًا ويشمل معظم أجزاء المفصل.
ماذا يحدث في العملية؟
• يتم إزالة رأس عظمة الفخذ بالكامل لأنها تكون متآكلة أو مشوهة.
• يُنظّف التجويف الحُقّي الموجود في الحوض من الغضروف التالف الذي لم يعد قادرًا على تسهيل الحركة.
• تُثبت “كأس صناعية” داخل التجويف، وهي تشكّل السطح الجديد الذي تنزلق عليه الكرة الصناعية.
• تُوضع ساق معدنية داخل عظمة الفخذ، وفي أعلاها تُركّب رأس كروية صناعية جديدة تتحرك بسهولة داخل الكأس.
النتيجة:
مفصل كامل جديد يقلل الاحتكاك والألم، ويعيد الحركة الطبيعية إلى حد كبير.
متى يُستخدم هذا النوع؟
- وجود خشونة شديدة أزالت الغضروف تمامًا
- التهابات مفصلية مثل الروماتويد
- تآكل كامل للمفصل
- بعض الكسور المعقدة التي تجعل إصلاح المفصل الأصلي غير ممكن
2) الاستبدال الجزئي لمفصل الورك (Partial Hip Replacement)
يُجرى عندما يكون التلف محدودًا في جزء واحد فقط من المفصل، وليس كله.
ماذا يحدث؟
• يتم استبدال رأس عظمة الفخذ فقط لأنها الجزء المتضرر.
• أما التجويف الحُقّي فلا يُستبدَل إذا كان سليمًا وقادرًا على العمل بشكل جيد.
لماذا نحتفظ بالتجويف في بعض الحالات؟
لأن التدخل في جزء واحد فقط يقلل الوقت الجراحي، ويحافظ على أنسجة أكثر، ويُناسب المرضى الذي يحتاجون تعافيًا سريعًا.
متى يُستخدم هذا النوع؟
- كبار السن المصابون بكسر في عنق الفخذ
- الحالات التي نحتاج فيها لاستعادة الوقوف والمشي بسرعة
- عندما يكون التجويف الحُقّي جيدًا ولا يحتاج لتغيير
3) الجراحة طفيفة التوغل (Minimally Invasive Approach)
هي ليست نوعًا مختلفًا من المفصل، بل طريقة جراحية للوصول إلى الورك.
ما الذي يميزها؟
• شقوق صغيرة بدل الجروح الكبيرة
• عدم قطع العضلات أو تقليل القطع إلى الحد الأدنى
• فقدان أقل للدم
• سرعة أكبر في التعافي
• ألم أقل بعد العملية
لكن المهم ليس حجم الجرح فقط.
الأهم هو مسار الدخول للمفصل وكيفية التعامل مع العضلات. فالوصول الأمامي للورك مثلاً—والذي يستخدمه الدكتور محمد الشولي—يسمح بإجراء الجراحة دون قطع أي عضلة، وهو ما يختصر فترة التعافي ويقلل الشعور بالألم بشكل واضح.
الفتح الأمامي لمفصل الورك دون قطع العضلات (نقطة تفوّق مهمة)
أحد أهم التطورات في جراحات مفصل الورك هو الفتح الأمامي، أي الدخول للمفصل من الجهة الأمامية للورك، بين العضلات، بدلًا من قطع جزء من العضلات كما في الطرق التقليدية الخلفية.
في الفتح الأمامي:
- الجراح يدخل بين العضلات، لا من خلال قطعها
- العضلات الأساسية المسؤولة عن الحركة تبقى متصلة بعظامها
- الألم بعد العملية يكون أقل غالبًا
- القدرة على الوقوف والمشي تعود بشكل أسرع عند كثير من المرضى
- يقل احتمال القيود الحركية وبعض أنواع الخلع مقارنة ببعض الطرق التقليدية (مع الأخذ بالاعتبار الالتزام بالتعليمات)
هذه التقنية تحتاج لخبرة عالية وتجهيزات مناسبة، لكنها تعطي:
- فترة نقاهة أقصر
- اعتماد أسرع على الساق
- راحة أفضل للمريض في الأيام والأسابيع الأولى بعد العملية
التحضير قبل العملية
التحضير الجيد يقلل من المضاعفات ويسرّع التعافي.
يتضمن عادة:
- فحوصات الدم الأساسية (وظائف الكلى، الكبد، سيولة الدم، نسبة الهيموغلوبين…)
- أشعة X-ray وأحيانًا رنين مغناطيسي لتقييم شكل المفصل ودرجة التآكل
- تقييم القلب والرئة عند كبار السن أو مرضى الأمراض المزمنة
- مراجعة الأدوية المستخدمة (مثل مميّعات الدم) وتعديلها إن لزم
- ضبط السكر والضغط قدر الإمكان
- شرح ما سيحدث للمريض بوضوح:
- كم سيبقى في المستشفى
- متى سيقف على رجله
- متى يحتاج العكازات ومتى يتوقف عنها
- تدريب المريض على استخدام المشاية أو العكاز قبل العملية إن أمكن
تجهيز المنزل:
- كرسي بارتفاع مناسب
- إزالة السجاد المنزلق
- تجهيز مكان للنوم يسهل الدخول والخروج منه
كيف تتم عملية استبدال مفصل الورك؟
هذه الخطوات تساعد المريض على فهم الخطوات المتوفعة دون الدخول في تفاصيل جراحية:
دخول غرفة العمليات
- يتم التأكد من هوية المريض، الجانب المصاب، والخطة الجراحية.
- يُعطى تخدير نصفي أو كلي حسب الحالة.
الفتح الجراحي
- في تقنية الفتح الأمامي، يتم عمل شق في مقدمة الورك.
- يتم الوصول للمفصل من خلال فصل المسافات بين العضلات، لا عبر قطعها.
إزالة الأجزاء التالفة
- إزالة رأس عظمة الفخذ المتآكل.
- تنظيف التجويف في الحوض وإزالة الغضروف التالف.
تركيب المفصل الصناعي
- تثبيت الكأس الحُقّية الصناعية داخل الحوض.
- إدخال ساق معدنية داخل عظمة الفخذ وتثبيتها.
- تركيب رأس كروية صناعية على الساق لتتحرك داخل الكأس.
التأكد من ثبات المفصل والحركة
- يتحقق الجراح من أن المفصل يستقر جيدًا، وأن الحركة سلسة.
- في وجود روبوت جراحي، يساعد في ضبط الزوايا والقياسات بدقة أعلى.
إغلاق الجرح
- إغلاق طبقات الأنسجة تدريجيًا
- إغلاق الجلد بخيوط قد تكون تجميلية
بعدها يُنقل المريض لغرفة الإفاقة، ثم لغرفته العادية.
ما دور الروبوت الجراحي في استبدال مفصل الورك؟
استخدام الروبوت الجراحي لا يعني أن “الروبوت يجري العملية وحده”، بل:
-
أداة مساعدة للجراح
-
يساعد في تحديد الزوايا الدقيقة
-
يضمن موضع المفصل الصناعي بأكبر قدر من الدقة
-
يقلل احتمال الخطأ في وضعية المفصل أو طول الساق
هذه التقنية تدعم هدفين أساسيين:
-
تحسين دقة العملية
-
تحسين استقرار المفصل ووضعه على المدى الطويل
ماذا يحدث بعد العملية مباشرة؟
في كثير من الحالات الحديثة (خاصة مع الفتح الأمامي):
- يمكن للمريض الوقوف والمشي بمساعدة في نفس اليوم أو اليوم التالي، حسب حالته
- يتم إعطاؤه أدوية للألم بطريقة متوازنة تناسب عمره وحالته الصحية
- يُشجّع على تحريك القدم والكاحل فورًا لتقليل خطر الجلطات
- يبدأ العلاج الطبيعي مبكرًا، أحيانًا في أول 24 ساعة
خروج المريض:
في بعض الحالات يكون النظام “جراحة اليوم الواحد” أو الإقامة القصيرة (يوم – يومين)، بشرط استقرار الحالة العامة.
برنامج التعافي وإعادة التأهيل
الأسبوع الأول:
- المشي بالمساعدة (مشاية أو عكازين)
- تمارين بسيطة لتحريك مفصل الورك والركبة
- تجنب الجلوس على كراسي منخفضة
- الاهتمام بالجرح ومنع التورم
الأسابيع 2–6:
- زيادة المسافة التي يمشيها المريض تدريجيًا
- تمارين لتقوية عضلات الفخذ والورك
- تقليل الاعتماد على العكازات بناءً على توجيه الطبيب والعلاج الطبيعي
- تحسين القدرة على صعود الدرج بالتدريج
بعد شهرين وما بعدها:
- غالبية المرضى يستطيعون المشي لمسافات أطول دون ألم شديد
- العودة للأعمال المكتبية غالبًا بعد 3–4 أسابيع (حسب الحالة)
- الأعمال التي تتطلب جهدًا بدنيًا تحتاج فترة أطول
- يمكن ممارسة بعض الأنشطة الخفيفة بعد استشارة الطبيب (مثل المشي الرياضي، السباحة)
ما هي طريقة المشي بعد العملية؟
المشي يكون جزءًا أساسيًا من برنامج التعافي، وغالبًا يبدأ في نفس يوم العملية أو في اليوم التالي، حسب حالة المريض.
كيف تكون طريقة المشي؟
• يبدأ المريض باستخدام المشّاية أو العكازات لتخفيف الحمل عن المفصل الجديد.
• يتم تعليم المريض السير بخطوات قصيرة وثابتة دون التفاف مفاجئ للورك.
• يجب الحفاظ على استقامة الساق قدر الإمكان عند المشي.
• يزداد التحميل تدريجيًا خلال الأسابيع الأولى حتى يستطيع المريض المشي دون مساعدة.
لماذا نبدأ المشي مبكرًا؟
لأنه يقلل خطر الجلطات، ويحسن الدورة الدموية، ويساعد المفصل الجديد على العمل بسلاسة.
ما هي طريقة الجلوس بعد العملية؟
الجلوس بطريقة صحيحة يحمي المفصل الجديد من الضغط أو الانثناء الزائد.
الطريقة الصحيحة:
• استخدام كرسي مرتفع نسبيًا، بحيث لا تنحني الركبة والورك بزاوية أقل من 90 درجة.
• تجنب الجلوس على الأرض، أو الكنب المنخفض، أو المراتب اللينة التي تجعل المريض يغوص للأسفل.
• عند الجلوس، يجب إبقاء القدمين للأمام دون إرجاع الساق للخلف.
• عند الوقوف من الجلوس، يجب الميل قليلًا للأمام والاعتماد على الذراعين للمساعدة.
أسئلة شائعة يهم المريض معرفتها
هل العملية خطيرة؟
هي جراحة كبرى، لكنها من أكثر الجراحات شيوعًا في مجال العظام، ونِسب نجاحها جيدة جدًا (95%) مع التحضير الجيد والالتزام بالتعليمات بعد العملية.
هل سأشعر بالمفصل الصناعي داخل جسمي؟
في الأغلب يعتاد المريض عليه تدريجيًا. المهم أن الألم الذي كان موجودًا قبل العملية يقل بشكل واضح.
هل سيصدر المفصل صوتًا؟
بعض المرضى قد يشعرون بإحساس خفيف أو صوت بسيط في بعض الحركات في البداية، ومع تقوية العضلات يختفي الانزعاج غالبًا.
كم يدوم المفصل الصناعي؟
في الحالات المعتادة يمكن أن يخدم المريض لسنوات طويلة، وقد تصل لأكثر من 15–20 سنة في كثير من الحالات، حسب العمر والحركة ونوع المفصل.
الخلاصة
استبدال مفصل الورك عملية تهدف إلى إعادة المريض لحياته الطبيعية بعد فترة قد يكون فيها الألم قد سيطر على الحركة والنوم والأنشطة اليومية.
الفهم الواضح لما يجري أثناء الجراحة وبعدها، ومعرفة الفرق بين الطرق التقليدية والفتح الأمامي واستخدام الروبوت، يساعد المريض على اتخاذ قرار مطمئن مبني على معرفة، لا على الخوف أو التردد.
كلما جاء القرار في الوقت المناسب، ومع جراح متمرس وتقنية مناسبة، كانت النتيجة غالبًا: ألم أقل، حركة أفضل، وحياة أكثر راحة واستقلالية.
